"حائــــــــــط الصور"

"ملامح على وجه الزمن"



استيقظ على يدها الحانية وهي تهزه برفق وتدعوه للنهوض... اغتسل وبدل ثيابه
ثم اتجه الى المطبخ ليصنع لنفسه كوبا من الشاي الساخن عله يدخل بعض الدفء
الى قلبه الضعيف... تناول ملعقة صغيرة من السكر وضعها في كوب الشاي واخذ
يحركه بهدوء...
ابتسم لنفسه وهو يتذكر صورا خبأها الزمان في ذاكرته فكم قضى معها اياما
حلوة يناكفها وهي تصنع له كوب الشاي فيتلذذ بتذوقه ثم يتصنع الشكوى من
مرارته ويطلب منها ملعقة سكر اخرى فتضعها له فيشربه ضاحكا وهو يشكو زيادة
السكر في كوبه فتتظاهر بالغضب ثم ترسم على شفتيها ابتسامة صافية فيمسك يدها
بحنان ويجلسان سويا في الشرفة يستمتعان بانسام الصباح...
انتبه من شروده وكان لايزال يحرك كوبه رفعه الى فمه وارتشف منه رشفة... جلس
في الشرفة متناولا جريدة الصباح قلب صفحاتها دون اهتمام ثم حدق باتجاه
حائط الصور في غرفة الجلوس تنهد بعمق وهو يتأمل صورتها والشريط الاسود
اللامع في زاويتها اليمنى...

:9 _33:
"طلاء أظافر"





تأمل طلاء أظافرها ورسم على شفتيه ابتسامة باهتة...

آه لو استطاع أن يرتاح قليلا من عناء الحياة ويجلس على مقعد مريح الى جانب
النافذة في ذلك المطعم الصغير وليته يحظى بوجبة ساخنة يتلذذ بطعمها وتملأ
معدته الخاوية...

زفر زفرة حارة وهو يشد معطفه المهترئ على كتفيه ويتابع المسير بخطى متعثرة
وينظر للخلف الى تلك السيدة وطلاء أظافرها من خلف زجاج المطعم الأنيق...

:9 _33:
"اناء من اللبن الدافىء وبضع كسرات من الخبز"





لكم من مرة طلبت منه الا يتأخر عن موعد العشاء كانت دوما تلومه وتعاتبه على
قلة اهتمامه وهل تطلب منه الكثير... لكنه ابدا لم يستمع اليها... كانا
رفيقين لاكثر من خمسة وثلاثين عاما تعرفت اليه وقد كانت لاتزال طفلة على
اعتاب الصبا يلتف حول خصلات شعرها الذهبي شريط ازرق لامع ينسجم برقة مع
فستانها الابيض لفت نظرها بفتوته وشبابه...
ولم شملهما بيت صغير تأملا ان يكبر مع الزمن فيمتلئ حبا وحنانا واطفالا...
اشتعلت الحرب ونودي للنفير العام غادرها واطفالها صغارا غادرها بلا معيل
بلا سند... عاد اليها شخصا مختلفا عصبي المزاج ضيق الافق لا يهتم الا بقوت
يومه... ماتت الاحلام وانطفأ بريق الحياة في عينيه... ثم غادرها الى
الابد...

اعتادت الاعتماد على نفسها وصعوبة العيش... كبر الصغار وغادروها لخوض معترك الحياة وتاهوا في الطريق...

لم يبق لها سوى ذكريات وبعض الحطب ورفيقها المخلص الذي لا يتأخر ابدا عن موعد العشاء ولا يتذمر من ذات الطبق الذي يتناوله كل مساء...
طبق صغير فيه بعض اللبن الدافىء وبضع كسرات خبز...




:9 _33:
"بقايــــــــــــا رمـــــاد"




جلس الصغير على عتبة بيته
جلس يتأمل البعيد
اعتاد نداء امه له في موعد الغداء
واليوم لم يسمعها... نظر الى جدران البيت فوجدها باردة صامتة
بحث عن الدفء
اتجه ناحية الموقد الذي اعتاد الجلوس قربه في حضن أمه...
جلس الى جانبه في صمت... مدّ يديه ليستشعر الدفء
لكنه لم يجد سوى بقايا رماد....
:9 _33:

"زهرة العمر"





لم يعرف قلبها الحب يوما.. تزوجته فأخلصت له وحرصت على اسعاده ورضا أهله..
أشاعت في بيتها جوا من المرح والبهجة وأضفت على حياته الألفة وكسر الجمود
فكان كل يوم جديدا غريبا وممتعا فاستقر هانئا يرجو أن تكتمل تلك النعمة
بالذرية الصالحة فتقر عينه ويرتاح بال والدته...
مضى من العمر عشر سنوات والمسكن خاو.. عادت الحياة الى رتابتها وكسا جدران
البيت صمت بارد... اه لو استطاعت اسعاده بطفل يحرك صمت الجدران ولكن...
أهدت اليه أمنيته في ذكرى زواجهما ولم يطل بحثها عن عروس مناسبة له فقد وافقت صديقة عمرها أن تلعب هذا الدور...
وفي يوم الزفاف تهيأت بأحسن ثيابها ورسمت على ثغرها ابتسامة عذبة استقبلت
بها ضيوفها وكأنها ليلة زفاف ولدها... ورقصت أمام العروسين حتى أعياها
التعب فسقطت مغشيا عليها.. أسرع العروسان نحوها وسط دموعهما التي تحولت بعد
حين الى دموع الفرح حينما علما أنها تحمل في أحشائها فلذة كبدها الذي
انتظرته عشر سنوات...
أما صديقة عمرها... فقد خرجت من حياتها تلك الليلة للأبد فقد علمت أنها أنهت ذلك الدور...

:9 _33:

"أصـــــــــداء الموتى"


الهولندي مارتن رومرس فاز بالجائزة الاولى في تصنيف قصص الحياة اليومية بهذه الصورة لمنظر في مدينة كلكتا الهندية


المصور المجري بيتر لاكاتوس فاز بالجائزة الاولى في فئة الصور الاخبارية المفردة بهذه الصورة لمنتحر في بودابست



الجائزة الاولى في فئة الصور الاخبارية العمومية المفردة كانت من نصيب
المصور الايطالي ريكاردو فنتوري عن هذه الصورة التي التقطها لحريق في سوق
في العاصمة الهايتية بورت او برانس



المصور الفرنسي كورنتين فولن فاز بالجائزة الثانية في فئة الصور الاخبارية بهذه الصورة لمحتج تايلاندي في بانكوك


مصور وكالة الانباء الفرنسية كرستوف ارشامبول فاز بالمركز الثالث في فئة
الطبيعة بهذه الصورة لاندونيسي يرتدي قناعا واقيا اثناء ثورة بركان برومو
بجزيرة جاوة


صورة لاندرو بيراج من وكالة رويترز فازت بالمركز الثالث في فئة الحياة
اليومية. الصورة لمحطة قطار مزدحمة في العاصمة البنغلاديشية دكا



مصور وكالة رويترز عمر فيصل فاز بالمركز الاول في فئة الحياة اليومية بهذه الصورة لصومالي يحمل سمكة قرش على ظهره في مقديشو



المصور الكندي اد او فاز بالمركز الاول في فئة القضايا المعاصرة بهذه الصورة لمهاجرين صوماليين هربوا من بلادهم الى اليمن


الجائزة الثانية في فئة القضايا المعاصرة فاز بها المصور الامريكي اد كاشي
بهذه الصورة للفتاة الفيتنامية ثي ليلي التي اصيبت بتشوهات نتيجة تعرضها
للعامل البرتقالي الذي استخدمه الامريكيون اثناء الحرب الفيتنام


المصور دانيال بيريهولاك فاز بالجائزة الاولى في فئة اشخاص في الاخبار بهذه الصورة لضحايا الفيضان في باكستان


مصور وكالة الانباء الفرنسية اوليفيه لابان ماتاي فاز بالجائزة الاولى
للصور الاخبارية بهذه الصورة التي التقطها في مشرحة في العاصمة الهايتية
بورت او برانس عقب الزلزال المدمر الذي تعرضت له في يناي

...........................................
مضى في طريقه المعتاد مثقلا بالأفكار عائدا الى منزله كعادته كل مساء...
صنع لنفسه كوبا من الشاي الدافئ وجلس الى مكتبه يحدق في الصور... صور...
صور... موتى.. دمار.. كوارث.. قتل.. تشريد... لقد حظي بجائزة هذا العام
كأفضل صحفي مصور.تأمل ذلك الشيك الأصفر اللون بين أنامله.. نعم لقد قبض
الثمن ثمن كل تلك الويلات التي قضى أعواما من عمره يتابعها بشغف حتى يأسرها
بعدسته في صورة...سمع رجلا من الهنود الحمر يوما يتحدث بعنف الى زميله
الذي كان يحاول أن يلتقط له صورة.. كان الهندي منزعجا للفكرة فالأسطورة
تقول أن الرجل الأبيض اخترع الكاميرا حتى يحبس أرواح الهنود في صور..
فالجسد الذي يؤسر في اطار صورة يفقد روحه الحرة...نظر مليا الى كاميرته
التي جلست بلا مبالاة في ركن المكتب... أغلق عينيه لحظات فلم يستطع أن يرى
سوى صور.. صور أولئك المعذبين والموتى الذين التقط صورهم بعدسته غير مبال
بما سيكون مصيرهم... وماذا سيكون مصيره هو..تناول مسدسه الخاص من درج
المكتب عبأه بحذر.. وضع فوهته على صدغه ثم... لاشيء آخر سوى اضاءة خفيفة
صدرت من عدسة كاميرته...

:9 _33:
"Like Chocolate"




عادت من عملها متعبة شاردة الذهن.. كانت تمني نفسها ببعض الدفء وكوب من
الشوكولاتة الساخنة وتقطع ما تبقى من الطريق باستذكار أحداث اليوم وواجبات
الغد... وصلت الى الطريق المؤدي الى منزلها فأبطأت الخطى لتلتقط أنفاسها..
نظرت نحو الأفق وأحست في فمها بطعم مر خلدته ذكراها.. لكم كانت عذبة حلوة
المعشر...
كانت تلقاها في هذا الطريق ممسكة بيد أمها تتاقفز في فرح وترسم على ثغرها
أعذب ابتسامة. وفي كل مرة تتوقف فيها لالقاء التحية تبادرها الصغيرة بنفس
السؤال “ما اسمك؟“ فتلقي عليها الاجابة ذاتها كل مرة فتتسع ابتسامة الصغيرة
وتتلعثم في فمها الحروف وهي تحاول جادة نطق هذا الاسم “الغريب“ كي تحفظه
ثم تودعها بود...
ثم تتحول صور الذكرى الى مشاهد ضبابية فتتذكر ذلك المشهد على عتبات منزلها
حيث جلست ابنة اختها الصغيرة تلعب بهدوء فتأتي الصغيرة للعب معها كما
اعتادت كلما أتت أختها وابنتها للزيارة... كانت تبدو في صحة جيدة رغم
شحوبها عقد على رأسها الصغير شال وردي أخفى الكثير من آلامها.. مدت أناملها
الصغيرة تداعب جدائل الضيفة ولم تخف اعجابها بجمال شعرها الذهبي فقالت لها
بحماس “شعرك جميل جدا.. لقد كان لي جدائل ذهبية انا ايضا“ تأملت الضيفة
الصغيرة الشال الوردي ثم لاذت بالصمت وكأنها فهمت ما ألم برفيقتها
الصغيرة... كانت تأتي للزيارة كثيرا بعد ذلك فتجلس في حضن خالتها وتسألها
عن رفيقة لعبها لم توقفت عن المجيء فتحار في الاجابة ثم تداعب جدائلها
وتخبرها أن رفيقتها في المستشفى وتطلب منها أن تدعو لها بالشفاء...
منذ ألم بها ذلك المرض لم تعد تراها في شارعهما الهادئ.. قال الطبيب أنه
ورم في الدماغ وتحتاج الصغيرة الى عملية جراحية... كم كان عدد تلك
العمليات.. لم يعد مهما... قضت في المستشفى شهورا طويلة متقطعة ضاع خلالها
عامها الدراسي الثاني في المدرسة...
ثم تنقلها الذكرى الى ذلك اليوم الصيفي الهادئ الذي مزق سكونه أصوات صرخات
وعويل قادمة من منزل أسرة الصغيرة تحول بالتدريج الى نحيب مكتوم وصوت آيات
من القرآن الكريم...
لماذا هذه الذكرى الآن... ولماذا لم تستطع نسيانها رغم كل تلك السنوات...
ربما لأن أنين الريح في مثل هذا الوقت من كل عام يذكرها بليال طويلة كان
يمزقها أنين الصغيرة القادم من المنزل المجاور فتلوم نفسها على عجزها في
التخفيف من تلك الآلام...

:9 _33: